مدة حمل السيدة مريم بعيسى عليه السلام.. تشغل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي
انشغل بعض النشطاء على موقع التواصل فيس بوك بموضوع بمدّة حمل السيدة مريم للمسيح عيسى عليه السلام.
وكان الاختلاف واضح جدا بين النشطاء فمنها من قال ساعات ومنهم من قال ثلاثة أيام .
وقد أجمع علماء المسلمين على أنه لم يرد نصٌّ صريحٌ من الكتاب أو السنّة يبيّن مدّة حمل مريم الصدّيقة، وقد وردت العديد من الآراء، تفصيلها فيما يأتي:
الحمل تسعة أشهر
قال القرطبيّ في تفسيره إنّ مدّة حَمْل السيدة مريم العذراء كحمل عامّة النّساء على المشهور.
الحمل ثلاثة أيام
كما نُقل عن أهل العلم قَوْلهم إنّ مريم حملت بعيسى -عليه السلام- مدة ثلاثة أيّامٍ، وذكر بعضهم أنّها حملته لساعاتٍ معدودةٍ.
وقد رجّح المحققون من أهل العلم أنْ تكون تلك المدّة تسعة أشهرٍ؛ حملاً على الأصل في مسألة الحَمْل، بأن تكون المدّة كاملةً باعتبار عدم وجود ما يقتضي صَرْف المعنى إلى غير ذلك.
وذكر أيضا بن كثير في تفسيره روايةً عن مدّة حَمْل مريم بعيسى -عليه السلام-، مرجّحاً أنّها حَملت بعيسى كما تحمل النساء بأولادهن.
https://www.facebook.com/share/p/GQ9uJvonC7WmXZ2x/?mibextid=oFDknk
رواية خادم السيدة مريم
وقال بن كثير في تفسيره روايةً عن مدّة حَمْل مريم بعيسى -عليه السلام-، مرجّحاً أنّها حَملت بعيسى كما تحمل النساء بأولادهنّ، مستدلّا على ذلك، بما ورد في الأثر من أنّ رجلٌ صالحٌ من أقاربها كان يخدم في البيت المقدس معها، قد انتبه لعلامات الحَمْل عندها، وقد امتنع عن سؤال مريم عن حَمْلها؛ لعلمه بإيمانها، وعفّتها، وحين عَظُم حجم بطن مريم، سألها الرجل عن حالها. فأجابت بأنّ الله قادرٌ على خَلْق إنسانٍ دون أبٍ؛ لأنّه خلق الشجر والزرع أوّل مرةٍ دون حبٍّ أو بذرٍ، وكذلك خلق آدم -عليه السلام- من دون أبٍ، فصدّق الرجل كلام مريم بمجرّد سماعه لجوابها.
الوضع بعد الحمل مباشرة
وذكر بن جريج روايةً عن المغيرة بن عتبة بن عبد الله، أنّه قد سمع عبد الله بن عباس يقول: “إنّ مريم حملت بعيسى -عليه السلام-، ثم لم يكن إلّا أن وضعته، وربما استدلّ ابن عباس -رضي الله عنهما- على ذلك بقَوْله -تعالى-: (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا*فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ)،
وأضاف بن جريج أنّ الفاء في الآية تُفيد تعاقب المراحل. ويُردّ على ذلك: بأنّ الفاء بالرغم من أنّها تفيد التعقيب، إلّا أنّ كلّ تعقيبٍ يكون بحسبه، ودليل ذلك أنّ الله -تعالى- ذكر خلق الإنسان معقّباً كلّ مرحلةٍ على الأخرى، فقال -عزّ وجلّ-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ*ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ*ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا)، وبالتالي يكون القول بأنّ مريم حملت بعيسى -عليه السلام- ثمّ وضعته غريبٌ من هذا الوجه.
معجزة حمل السيدة مريم
ومن المعروف أن الله -تعالى- ذكر في القرآن الكريم قصّة مريم -عليها السلام- ضمن سياقٍ قرآنيٍ يبيّن فَضْل آل عمران، وكيف اصطفاهم الله، واختارهم على العالمين، ومن بين تلك الذريّة الطاهرة جاءت مريم التي جعلها الله وابنها آيةً للعالمين، فقد اختارها الله لتحمل بعيسى -عليه السلام- دون أبٍ، فاشتملت على كثيرٍ من العِبر والآيات التي تُظهر قدرة الله على الخَلْق والإيجاد.
وأكد العلماء أن جبريل جلى عن مريم خوفها، وأزال عنها تعجّبها، حينما بيّن لها أنّه رسولٌ من الله، لا يريد بها ضرّاً أو أذىً، بل جاء ليبشّرها بغلامٍ زكيٍ سيهبه الله إيّاها، قال -تعالى-: (إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا).
وبعد أن زالت عنها الرهبة، جادلت مريم الصدّيقة جبريل -عليه السلام- مدفوعةً بمشاعر الخوف على سُمعتها بين الناس، فقد عُرفت بينهم بالطُّهر والعفاف، فقالت: (أنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)،
وقد بيّن لها جبريل -عليه السلام- أنّ ذلك الأمر تقديرٌ من الله -تعالى-، ليكون ذلك الغلام آيةً للنّاس مُخاطباً إيمانها الراسخ بمشيئة الله وأمره الذي لا يُردّ ولا يُدفع، قال: (كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا).
وأكمل جبريل -عليه السلام- حديثه مع مريم، بتبشيرها بعيسى -عليه السلام- ذلك الغلام الذي سيكون له شأناً في كبره، ويجري الله على يديه المعجزات، ومن بينها تكليم الناس في المهد، قال: (إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ*وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ)، وبالتالي لم تتردّد مريم -عليها السلام- في قبول أمر الله -تعالى-، والاستجابة له.
ما بعد حمل السيدة مريم
وبعد الحمل ازدادت مخاوف مريم -عليها السلام- حينما عاينت آلام الحمل، فبدأت تفكّر بحالها بعد الولادة، وكيف ستُقابل قومها حاملةً على يديها ذلك المولود، وقد غاب عنها في تلك اللحظات أنّ الله سوف يُظهر براءتها لقومها، وحينما قدمت إلى قومها أوحي إليها أن تُشير إلى ذلك الغلام؛ لترفع الحرج عنها بجواب مولودها، فتعجّب القوم من قولها، كيف لهم أن يستمعوا أو يكلّموا صبياً في مهده.
وقدمت السيدة مريم إلى قومها أوحي إليها أن تُشير إلى ذلك الغلام؛ لترفع الحرج عنها بجواب مولودها، فتعجّب القوم من قولها، كيف لهم أن يستمعوا أو يكلّموا صبياً في مهده.
ويبيّن عيسى -عليه السلام- بركته للناس في كلّ مكانٍ وزمانٍ، بفَضْل ما يدعو إليه من الخير والفضيلة، وما ينهى عنه من الشرّ والرذيلة، مذكّراً قومه بوصية الله له بأداء حقّ الله من الصلاة الواجبة، وأداء حقّ العباد بدَفْع أموال الزكاة إليهم.
وقد اختتم قوله ببيان برّه بوالدته، وأنّ الله لم يكتبه في زمرة الجبابرة الأشقياء، بل هو نبيٌ اجتمعت فيه محاسن الأخلاق، حتى استحقّ سلام النفس منذ ميلاده، مروراً ببعثته، إلى حين مماته وبعثه.
حكمة الله في حمل السيدة مريم
وتجلّت حكمة الله في خَلْق عيسى -عليه السلام- دون أبٍ في أنّ الله -تعالى- حيث أراد أن يُظهر قدرته على الخَلْق باختلاف الأحوال والظروف، فقد خلق الله آدم -عليه السلام- من غير أبٍ ولا أمٍّ، كما خلق حوّاء من ذكرٍ فقط دون أنثى؛ من آدم، ثمّ جعل الخَلْق من ذكرٍ وأنثى، ثم جاء خلْقُ عيسى -عليه السلام- من أمٍّ بلا أبٍ مُكمّلاً مظاهر الإعجاز الإلهي في الخلْق، وتأكيداً على عظمة قدرته، ونفاذ إرادته -سبحانه.