منوعات

من أولياء الله الصالحين..”سيدي محمد الصعيدي” بقرية منيل دويب مركز أشمون بالمنوفية ( 1 )

 

كتب د. حربي الخولي
تزخر مصر بالعديد من أولياء الله الصالحين في كل ربع من ربوعها وقرية من قراها وهؤلاء الأولياء كما جاء في قوله تعالى :” أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ” هم قومٌ يُذْكَرُ الله لرؤيتهم ، لما عليهم من سيما الخير والإخبات. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ” أولياء الله “، قال: هم الذين إذا رُؤُوا ذُكِر الله. وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله عبادًا يغبطهم الأنبياء والشهداء! قيل: من هم يا رسول الله؟ فلعلنا نحبُّهم! قال: هم قوم تحابُّوا في الله من غير أموالٍ ولا أنساب، وجوههم من نور، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس. وقرأ: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). وقد ترى واحد من هؤلاء فتزدريه عينك لطبيعة صورته لكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رُبَّ أشعثَ أغبَرَ مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسَمَ على الله لَأَبَرَّهُ))؛ رواه مسلم. والميزان لهؤلاء تقوى الله عز وجل، كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، فمن كان أتقى لله، فهو أكرم عند الله، يُيسِّر الله له الأمر، يجيب دعاءه، ويكشف ضره، ويَبَرُّ قَسَمَه. وقد قال الإمام الشافعي » :إن لله عباداً فطنا تَرَكوا الدُنيا وَخافوا الفِتَنا
نَظَروا فيها فَلَمّا عَلِموا أَنَّها لَيسَت لِحَيٍّ وَطَنا
جَعَلوها لُجَّةً وَاِتَّخَذوا صالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا

وبتوفيق من الله ومعونة سنبدأ في سلسلة تعريف بعض هؤلاء الاولياء والصالحين ونحن هنا لا علاقة لنا بما يفعله بعض الناس في رحاب مقامات هؤلاء ولكننا نهتم بتقديم وتعريف بعض هؤلاء الاولياء خاصة غير المشهورين منهم نقدم جانبا من حياتهم وصلاحهم لعل في ذلك أسوة حسنة للشباب وذكرى عطرة لهؤلاء وتصحيحا لبعض الاخطاء التاريخية عن هؤلاء الأولياء وكما ذكرنا فالولاية متعلقة بتقوى الله وحسن الخلق والصلاح الظاهر للعيان ولن نستفيض في كرامات هؤلاء إلا ما يقتضيه الأمر .

ونبدأ بأحد اولياء الله الصالحين الموجود له مقام بمسجد بقرية منيل دويب مركز أشمون محافظة المنوفية وهو المسجد المسمى باسمه سيدي محمد الصعيدي حيث يظن العامة أن سيدي محمد الصعيدي رجل حضر القرية في وقت قديم وله بعض الكرامات التي اظهرها ومات بالقرية فاتخذ له مقاما ثم أقيم بجواره مسجد سمي باسمه .

والحقيقة أن تلك القرية – التي يرجع اسمها للشاعر أبو ذؤيب الهذلي الذي شاهد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وخرج غازيا ومدافعا عن الإسلام كما سبق وأن ذكرنا بالأدلة عن وقت نشأتها

oplus_32

– كانت إحدى محطات سيدي محمد الصعيدي – وهو ليس سيدي محمد أحمد السنبو المشهور كذلك بالصعيدي من دشنا بصعيد مصر الصوفي الإمام والخطيب وناشر لأخلاق الصوفية كما يظن البعض – في رحلته الروحية وسيدي محمد الصعيدي هو ابن السعد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن الحسن بن الحسين بن سيدي محمد بن سليمان بن أبي حامد بن حامد بن سيدي عبد القادر الجيلاني بن موسى بن عبد الله بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي رضي الله عنه وكرم وجهه، ولأمه الشريفة الصالحة صفية بنت زين العابدين بن محيي السنة.

وهو فتى شريف حسيْنِي صعيديَّ مصريَّ أزهريَّ عالم وليَّ قام بسياحة روحية استغرقتْ عشر سنوات كاملة بدأها سنة 1212 هجرية من القاهرة بأمر من شيخه كما قال وتوفي سنة 1232 هجرية. وكان ذا علم واسع وإشراقات روحانية باهرة. فقد روي عن حفيده القاضي الإمام بن الشريف قوله إن العلامة المختار بن بونه اجتمع بسيدي محمد الشريف الصعيدي فلما سئل عنه قال: “ما أعرف عنه إلا براعته في العلم الظاهر”. يقدر ميلاد الشريف الصعيدي بحوالي 1199 هجرية بمحافظة الفيوم والتحق بالأزهر


. وبعد أن تلقى الشريف سيدي محمد الصعيدي في رحاب الأزهر ما تلقى من العلوم، و من شيخه عبد العليم الفيومي ما شاء الله من عهود، لم يلبث أن تلقى كذلك من شيخه ذلك الأمر المبارك بالخروج في سياحة روحية. والسبب الأساس في ذلك أن شيخه رأى ظلم الحكم العثماني للفلاحين المصريين وفرض الضرائب والمعاملة القاسية، مع اضطهاد العلماء الذين يجهرون بمعادة سياسة الظلم، فأراد شيخه أن يسيح تلميذه في قرى مصر يخفف عن الناس ما يعانونه، ويذكرهم بالله دائما ، ويرجعهم إلى حظيرة الإيمان ونشر العلم الصحيح بعد انتشار الخرافات والجهل في الدين، فامتثل سيدي محمد الصعيدي لأمر شيخه محبا للخروج والسياحة الروحية، وكان على المذهب المالكي، وفي كل قرية ينزل بها كان الناس يجتمعون حوله وينهلون من علمه، فقد صادف منهجُ الشريف الصعيدي صدًى واسعا في قلوب الناس فاحتضنوا صاحبه بالقبول؛ إذ زكَّاه العُلماءُ ومدحه الشعراء وسلَّم له الأولياء واحترمه الأمراء، وبسط الله له النصر بين العامة والخاصة من كل فئات الشعب.

وقد ذكر الشيخ محمود الجمعي في ” تذكرة الأولياء وهداية الصالحين ” بعضا من سيرته، كما حدث الشريف القزويني في كتابه ” تحفة الاولياء وتذكرة العاشقين ” الجزء الاول صفحة 213 أن سيدي محمد الصعيد :” نزل بقرية منيل أبو دويب تقريبا في 1216 هجريا، فكان نعمة عظمى وبركة كبرى على أهلها”، وكان أهلها من محبي آل البيت ومن بسطاء الفلاحين فأكرموا وفادته، حيث جعلوا له خيمة كبيرة في مكان المسجد المسمى باسمه الآن، وكان الناس يتوافدون عليه من كل حدب وصوب ، وكانت الخيمة بمثابة دار تعليم وتفريج كرب والدعاء بالبركة، وتجمع الكثير من الناس عند خيمته، وقد علم أحد نواب العثمانيين وكان اسمه إبراهيم أغا قائد فرقة تابع للوالي العثماني بوجود سيدي محمد الصعيدي بالقرية، وتحلق الناس حوله، فخشي من ثورة عليه وعلى الظلم، فأراد أن يحطم الخيمة ويطرد الشيخ الذي خرج له وعلى وجهه ابتسامة وهيبة، جعلت ذلك القائد العثماني يأمر فرقته على الفور بالتراجع مع طلب السماح من سيدي محمد الصعيدي، فعلى شأنه عند الناس، ونسجت الأساطير حول هذه الحكاية من قبيل أن الفرقة شُلت ولم تتحرك حتى أذن لهم الشيخ بذلك، وأن كبير الفرقة صار تابعا من أتباع الشيخ وترك حياته السابقة الخ، وبعد أن قضى سيدي محمد الصعيدي بالقرية بضعة أسابيع رحل بعد وداع أهلها الذين خرجوا يبكون لرحيله، واتخذوا من مكان خيمته معلما للتبرك والزيارة غير المنقطعة، والغريب أن بعض النسوة اللائي لم يحملن زرن مكان الخيمة بنية الحمل فحدث حمل بعضهن فكان ذلك مما قوى التبرك بالمكان، فبنوا مقاما له في المكان ذاته، ثم بعد ذلك تم إنشاء مسجد باسم سيدي محمد الصعيدي في مكان زاوية اتخذت للصلاة، وظل المسجد لسنوات طوية جدا منارة للعلم وتخريجا للعلماء والواعظين والمثقفين برعاية إمامه فضيلة الشيخ عبد الحميد سلامة أطال الله في عمره، وقد ظلت رحلة سيدي محمد الصعيدي عشر سنوات، وقيل إنه قد ظهر في رحلة سيدي محمد الشريف الكثير من خوارق العادات، من ذلك أنه كانت زرافات النعام تألفه والوحوش تصحبه، حتى توفي عام 1232 هجريا وهو عائد لمسقط رأسه بالفيوم عن عمر يناهز 33 سنة .

فانطفأتْ فجأة تلك الشعلة المتوقدة، ولكن صاحبها قد أرسى خلال العقد الزماني الذي قضاه في هذه الربوع قواعد المنهج القائم على ثلاثة مرتكزات أساسية هي : بث العلم في قلوب الناس على أساس فقه الإمام مالك، مع المزاوجة بين ثنائية الشريعة والحقيقة والقيام، بوظيفة الصدع بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر دون أن يخاف في ذلك لومة لائم، والسعي في مصالح المسلمين عامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى