تحقيقات وملفات

ملحمة النصر ( الحلقة الأخيرة ) .. المقاومة الشعبية بالسويس تلقن العدو درسا فى فنون القتال بأكبر المعارك

نحن الآن أيها السيدات والسادة داخل مدينة الأبطال رموز النضال والفداء .. هى مدينة شاء قدرها أن تشهد أقسى أنواع الإعتداء من أعداء الوطن على مر الزمن .. فيها سالت دماء أعظم من أنجبتهم مصر .. رجال ونساء وشيوخ بل وأطفال قدموا أراواحهم فداء للوطن ولكى تبقى المدينة حرة لا تدنسها أقدام العدو الصهيونى الغاصب .. تعاهد أهلها ومعهم عدد كبير من أبناء الوطن الذين وفدوا إليها من مختلف محافظات مصر وأيضا من الرجال والشباب المتطوع من مختلف البلاد العربية الشقيقة ليقفوا مع رجال القوات المسلحة صفا واحدا لصد العدوان الغاشم على تلك المدينة الصامدة .. إنها مدينة السويس التى شهدت أرضها أكبر وأعظم معركة فى حرب أكتوبر المجيدة تلك المعركة التى يطلق عليها اليهود معركة ” المائة يوم ” لأنها إستمرت بالفعل ١٠٠ يوم.
السطور القادمة تحكى تفاصيل تلك المعركة العظيمة التى دارت رحاها على أرض مدينة السويس الباسلة.
على أنغام السمسية تغنى الشعب المصرى بتلك البطولات العظيمة التى خاضها رجال المقاومة الشعبية بمدينة السويس.
” يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى .. أستشهد تحتك و تعيشى إنتِى ”
تلك الجملة التى وردت فى واحدة من أشهر أغانى الحرب المجيدة تلخص ما حدث فى تلك المعركة فقد عقد العزم كل أهل السويس البواسل الإستشهاد قبل أن يدنس أرضها جندى إسرائيلى واحد
وإلى التفاصيل ..
كانت حرب أكتوبر لطمة قوية على وجه أباطرة الجيش الإسرائيلي الذى سعى إلى تحقيق نصر معنوى خاصة بعد أن تدخلت أمريكا بكل نفوذها من أجل إصدار قرار من مجلس الأمن بوقف القتال وذلك يوم الأثنين ٢٢ أكتوبر والجلوس على طاولة المفاوضات ، وفى الوقت نفسه أوعزت أمريكا إلى إسرائيل بمواصلة القتال خاصة وأن المفاوضات لن تبدأ فعليا إلا يوم ٢٤ أكتوبر وحتى تتمكن إسرائيل من تحقيق أى مكسب عسكرى حتى تتفاوض عليه ، وكان إحتلال مدينة السويس هو الهدف الأسمى الذى تسعى الدولة الصهيونية لتحقيقه فى الوقت الذى وافقت فيه مصر على قرار وقف إطلاق النار ، ولكنها عادة بنى صهيون الذين لا عهد لهم.
فى هذا اليوم ٢٢ أكتوبر قام طيران العدو بغارات مكثفة على مدينة السويس وقام بعزل المدينة عن العالم الخارجى بعد أن قطع التيار الكهربائى وأيضا المياه عن المدينة ، أدرك شعب السويس العظيم أن العدو يسعى لإحتلال المدينة فقاموا على الفور بتشكيل لجنة المقاومة الشعبية بالمدينة برئاسة المناضل الكبير الشيخ حافظ سلامة ليعلنوا بكل شموخ التحدى لغرور العدو وتم التمركز فى مختلف مداخل المدينة وقاموا بحفر عيون المياه الجوفية قامت النساء بمساعدة الرجال فى تلك الحرب وكذلك الأطفال.
قام العدو بفرض حصار مشدد على مدينة السويس تمهيدا لإجتياحها وهنا تكاتف الجميع عسكريين ومدنيين من أجل إحباط مخططات العدو وقام الجيش الثالث الميدانى بإمداد المدينة بكل إحتياجاتها.
إستمر الهجوم الجوى الإسرائيلى على السويس إلى اليوم التالى ٢٣ أكتوبر.
فى فجر الأربعاء ٢٤ أكتوبر الذى كان يوافق ٢٨ رمضان إكتظت مساجد السويس بالمصلين وألهب حماسهم الرمز الوطنى الكبير الشيخ حافظ سلامة وتعهد الأهالى بالدفاع عن مدينتهم مهما كلفهم الأمر.
المقاومة الشعبية والفرقة ١٩ مشاة أعدوا كمينا لقوات العدو التى سوف تجتاح المدينة فى تقاطع طريق السويس مع حى الأربعين وإعتلوا أسطح البيوت والمبانى التى تحول كثير منها إلى ركام بسبب القصف الجوى الإسرائيلى.
وبدأت إسرائيل تنفيذ مخططها المشبوه بإجتياح المدينة لا صوت بالمدينة الباسلة الكل يكتم أنفاسه يعلو فقط صوت جنازير الدبابات الاسرائيلية التى تتقدم بكل ثقة بعدم وجود أى مقاومة بالمدينة بعد الضربات الجوية المتلاحقة طيلة اليومين الماضيين ، ظنت قوات العدو أن المدينة خلت تماما من أى بشر لا يوجد بها قوات مصرية حتى أهلها هجروها وفر معظمهم إلى القاهرة ، فى ميدان الأربعين بالمدينة التى إعتقد العدو أنها مدينة أشباح إنهمرت قذائف آر بى جى على دبابات العدو والعربات الحربية وظهر رجال لا يهابون يعتلون أسطح دبابات العدو ويدمرونها مما أصاب جنود العدو بالرعب والفزع فى الوقت الذى تعامل فيه أفراد المقاومة الشعبية بالأسلحة الخفيفة والقنابل اليدوية.
جنود العدو يفرون كالفئران من ميدان المعركة وإتجهوا بشكل عشوائى إلى المبانى المحيطة وبعضهم لجأ إلى سينما رويال وكثيرا منهم كانوا صيدا سهلا لرجال المقاومة المتمركزين الذين أذاقوا العدو مرارة الإبادة الجماعية.
وفى محيط قسم الأربعين دارت معارك ضارية أستشهد فيها ٨ ضباط من قوة القسم وعدد من أبطال المقاومة الشعبية ، ومع حلول ظلام ذلك اليوم قصف جيش العدو محيط القسم ليمنح جنوده فرصة للهروب والتسلل إلى مداخل ومخارج المدينة ، وفى الوقت نفسه زعم العدو أنه قام بإحتلال مدينة السويس ووقف الرئيس السادات داخل مجلس الشعب وهو بالزى العسكرى وسأل الفريق أحمد بدوى أمام الجميع عن هذا الأمر وجائه الرد من بدوى ” أن العدو لم يتمكن من إحتلال مدينة السويس والتى ظلت حرة بفضل المولى عز وجل وبفضل القوات المسلحة وشعب السويس ورجال المقاومة الشعبية البواسل ” ، تلك هى الحقيقة لقد ولت قوات العدو من هول الصدام وجرأة أبناء مصر والعرب ووقفت السويس شامخة تتحدى غرور العدو.
ونظرا لأن العيد كان على الأبواب فأخذ رجال مصر العظماء يرددون تكبيرات العيد أثناء معركتهم الضارية ضد الطغاة تلك التكبيرات التى كانت تزف بشرى النصر المبين ، وتكبد العدو خسائر فادحة فى هذا اليوم حيث قُتل نحو ٨٢ جندى وضابط إسرائيلى وتم تدمير ٤١ دبابة وعربة عسكرية و٧ ناقلات جنود وأصبح هذا اليوم المشهود فى تاريخ مصر عيدا وطنيا لمحافظة السويس لتخليد ذكرى بطولات الفدائيين والمقاومة الشعبية.
وإستمر الحصار الإسرائيلى لمدينة مائة يوم إلى أن تم توقيع إتفاقية فض الإشتباك فى ١٨ يناير ١٩٧٤ حيث فك العدو حصاره ورحل بجنوده عن مشارف المدينة.

وتستمر الحكايات والأسرار عن تلك الحرب الخالدة المجيدة التى سطّر فيها رجال مصر الأحرار أعظم البطولات وسوف يأتى يوما جديدا يحقق فيه أبناء الوطن إنتصارات جديدة ضد العدو الصهيونى الغادر.
بقلم الكاتب الصحفى :
عبدالناصر محمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى