#على الأصل دووووور …. المعصرة

كتب د. حربي الخولي
حي المعصرة أو منطقة المعصرة الواقعة جنوب القاهرة بين حي حلوان جنوباً وحي المعادي وحي طره شمالاً، هي أحد أحياء القاهرة بعد أن ألحقت كحي بمحافظة حلون لكن وبعد إلغاء محافظة حلون عام 2011 عاد حي المعصرة تابعا لمحافظة القاهرة الكبرى. وتعد منطقة المعصرة من أقدم مناطق القاهرة حيث ترجع إلى العصر الفرعوني وكان اسمها القديم ” جاسان “، وهو اسم فرعوني من اللغة العبرية الخاصة ببني إسرائيل عندما سكنوا مصر فكانت لهم أرض جاسان وهي منطقة خصيبة في مصر كثيرة المرعى للقطعان والمواشي، واقعة شرق الدلتا. وهي المعروفة الآن بـ”الشرقية” وقد أعطاها يوسف لأبيه وإخوته فسكنوا فيها هم وذريتهم من بعدهم نحو مائتي سنة . والكلمة في العبرية هي “جوش” ولا يُعْرَف معناها، ولكنها في يونانية الترجمة السبعينية “جسم” (Gesem)، وقد تعني “الأرض المنزرعة” (وهي قريبة من الكلمة العربية “جشم، يتجشم” بمعنى “يتحمل المشقة”). ويرى البعض علماء المصريات أنها من الكلمة المصرية القديمة “قاس” التي تعني “الأرض المغمورة بالماء” إذ يبدو أنها كانت المنطقة التي أطلق عليها الإغريق اسم “الولاية العربية” والتي كانت عاصمتها “فاقوسة” ومعناها بالمصرية القديمة “يسكب”.
إذا كلمة ” جاسان ” تعني الأرض المنزرعة او الخضراء أو المغمورة بالمياه وهو ما أطلق على منطقة المعصرة في العصر الفرعوني لخضرتها وغمرها بمياه النيل في بعض الأحيان . ويختلف المؤرخون في نشأتها القديمة، فمنهم من يؤكد إلى عودتها إلى العصر الفرعوني، ومنهم من يذكر أنها تعود في النشأة إلى العصر البطلمي، بينما يذكر البعض أنها تعود إلى العصر الإسلامي، لكن أثبت التاريخ أن المنطقة تعود للعصر الفرعوني لما أكدنا من اسمها القديم ولأن البطالمة أقاموا مقياسا لنهر النيل بالقرب من هذه المنطقة؛ مما يدل على أنها كانت عامرة من قبل البطالمة أي في العصر الفرعوني، والدليل على ذلك أن عمليات التنقيب سواء الشرعية أو من خلال الأهالي بصورة غير شرعية اثبتت وجود اثار فرعونية في المنطقة ومعظمها تحت مبانى القديمة التى بٌنيت فى عهد الخديوي إسماعيل، لأنها مناطق صحراوية، فالمعروف أن الفراعنة كانوا يسكنون ويزرعون المناطق المجاورة لوادى النيل، ويبنون مقابرهم فى الصحراء المتاخمة لتجمعاتهم بوادى النيل، مثل الأهرامات ومقابر المعادى والمنيا، حتى لا تؤثر مياه الفيضانات على المقابر.
وقد سميت المعصرة في العصر القبطي أو الوسيط باسم ” شهران ” وبالبحث وجدنا أن ذلك الاسم يرجع لقبيلة عربية قديمة اقامت بجنوب غرب الجزيرة العربية، وهاجر بعض أفرادها واستوطن ذلك المكان فنسب لهم، فصار اسم المكان ” شهران ” نسبة لبعض ساكنيه من قبيلة شهران القديمة، فهي قبيلة خثعمية كانت تعيش بين جبال السراة وجنوب نجد، ومؤسسها شهران بن عفرس بن حلف بن خثعم بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث . ومن أشهر آثارها في ذلك العصر الدير الذي نسب للمكان وهو دير شهران وهو أقدم الأديرة المسيحية في مصر، والدير يرجع للقرن الخامس الميلادي، ويسمى الآن باسم دير الأنبا برسوم العريان، الذي كان يعيش في القرن 14 الميلادي ودفن بالدير عام 1317 فاسمي باسمه ومن قبله كان الدير باسم القديس مرقريوس أبو سيفين؛ أي عندما نشأ الدير والذي سمح بنشأته هو الحاكم بأمر الله الذي سمح لبعض الرهبان ببناء دير خارج القاهرة، فبنوا ديرًا على اسم الشهيد مرقوريوس أبي سيفين، وقيل أنه كان الخليفة يتردد على هذا الدير، لأنه استأنس بالرهبان، فانتهز الرهبان فرصة وجوده، والتمسوا منه عفوًا برجوع البابا زخارياس -الذي كان قد حسبه سابقًا، ثم اعتكف في دير دير القديس مكاريوس- فعاد إلى كرسيه. وقيل أن النبي موسى ولد بعد نحو 520 سنة من وفاة النبي يوسف، نحو عام 1278 قبل ميلاد المسيح، وعاش أقل من 100 سنة وقيل 120 سنة، مكان ولادته كان في منطقة المعصرة.
وفي العصر الإسلامي تغير اسمها ليصير إلى ” المعصرة ” المحرفة عن كلمة “العصَّارة”؛ بمعنى أن المكان كان به عصارات كبيرة لعصير القصب واستخلاص العسل والسكر منه، وكان المكان يعج بزراعة القصب، كما أن به أشجار كثيرة للزيتون؛ ولذا وجد به عصارات زيتون كذلك، ومن كثرة العصارات سمي بالمعصرة . وتبلغ مساحة المعصرة حولي 27 كيلومتر مربع ، وتشمل المعصرة شياخات ومناطق وادى حوف و حدائق حلوان وتقسيم النصر للسيارات، ومساكن الكهرباء والدواجن وتقسيم المعلمين ومساكن منتصر وعزبة كامل صدقى والمعصرة البلد والمعصرة المحطة وعزبة خليل وعرب سلام وعزبة الصفيح، وارض العمدة ومدينة الضباط والنقابات. وتعتبر المعصرة منطقة صناعية، بوجود مصنع للصناعات الأسمنتية، ومصنع التليفونات، وقد بدأت الحكومة في تطوير المنطقة بشكل يتناسب مع التطور الحضاري، ومنها إنشاء مركز شباب متطور به أكثر من ثلاث ملاعب وأيضا تحسين الطرق بشكل ملحوظ، وإنشاء مدارس جديدة، والقضاء على العشوائية في حي المعصرة .